حميري يكتب عن “جرادة مالحة فين كنت سارحة في جنان الصالحة”

محطة24 – كوبنهاكن – حميري البشير 

كان يامكان في زمن غير بعيد مدينة أنجبت الشجعان والأبطال والمثقفون والمسرحيون والأدباء والشعراء ورجال سياسة وأبطال في كل ميدان .وبقي ثراتهم شاهد على ما أقول .مدينة نسج رجال المسرح عنها قصصا يرويها الأجداد جيل لجيل ،كانت جدتي نورة رحمها الله عندما تريد أن تلهينا لننسى جوعنا وفقرنا ورث اللباس الذي كنّا نرتديه ولا نكسب ما نفتخر به وسط أقراننا تحكي لنا قصة جرادة مالحة فين كنت سارحة. في جنان الصالحة ،هي قصة كانت ترويها كل امرأة عجوز في المنطقة الشرقية لأحفادها ،كنّا صغارا لا نفقه شيئا مما تقول ولكن عندما تخرج كلماتها بلحن نتفاعل معه وننصت بهدوء ،لم نكن نعرف أن جرادة هي مدينة الفحم الحجري الذي اكتشفه الاستعمار الفرنسي ،لم نقرأ تاريخ هذه المدينة إلا بعد أن صرنا شبابا وصارت لنا علاقات مع شبابها الذين مارسوا العمل السياسي . جرادة من المدن الاستراتيجية التي سكنها اليهود ومارسوا فيها التجارة وبعض الحرف المهنية ،لا زلت أتذكر القصة التي حكتها لي والدتي رحمها الله ،عن الأحداث التي عرفتها المدينة في سنة 1948والمرتبطة بوعد بلفور والمؤامرة التي تعرض لها الشعب الفلسطني الذي هجر من مدنه وقراه من أجل قيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين ،سكان مدينة جرادة الذين كانوا يرزخون تحت إمرة الاستعمار الفرنسي ،انتفضوا انتفاضة شعبية وقاموا بقتل العديد من اليهود فداءا لفلسطين ولشعبها ،وعرفت المدينة هولا كبيرا بالمفهوم الشعبي ،وعلى إثر الأحداث التي عرفتها المدينة غادر بقية اليهود الذين كانوا تحت حماية الجنود الفرنسين.عرفت بعد الاستقلال المدينة حقبة زاهية وتوافد عليها الراغبون في العمل في مناجم الفحم حتى من الجنوب المغربي.

وانضافت بعض المشاريع التي كان لها ارتباط بالفحم الحجري وبالخصوص ،معمل توليد الطاقة الكهربائية .تزايد عدد سكانها ،ونمت دواوير غير بعيد عنها حتى تطورت إلى مدن صغيرة جمعت غالبية اليد العاملة التي كانت تشتغل في مناجم الفحم الحجري ،ومنها قرية حاسي بلال ،إذا كان مصدر العيش الرئيسي هو الاشتغال في مناجم الفحم الحجري أو معمل توليد الطاقة الكهربائية إلى جانب القطاع الفلاحي.نشطت الحركة التجارية والثقافية خلال فترة زمنية ،لكن عندما قل الإنتاج وأصبحت كلفة استخراجه غالية الثمن قررت إدارة مناجم الفحم إغلاقه وتسريح العمال ،منهم من بقي متشبثا بالأرض ومنهم هاجر إلى أروبا ومنهم انتقل للعيش في المدن المجاورة. بحثا عن مصدر عيش آخر .تتوالى السنون ويستمر من بقي متشبثا بالأرض في استخراج ماتبقى من بقايا الفحم بطرق بدائية خلفت العديد من شهداء الخبز الذين سقطوا في سبيل ضمان قوت عيشهم اليومي ،حادثة الأسبوع التي ذهب ضحيتها المزيد وهذه المرة أخوين تم انتشال جثتهما من طرف شجعان بواسل وفي غياب الوسائل ورجال الوقاية المدنية ،الحادث خلف مأساةاجتماعية جديدة ودفع بساكنة المدينة للتملل والتحرك للضغط على الجهات المسؤولة من أجل وقف المأساة ،ومسلسل البطالة والفقر،جرادة أصبحت بركانا على وشك الانفجار ،سكان المدينة وشبابها. سئموا من الحياة البئيسة بدون أفق،أصبحوا غير قادرين عن التزام الصمت والسكوت عن الموت البطيئ
الحكومة يجب أ ن تتحمل مسؤوليتها لخلق فرص شغل بديل للساكنة لإحياء الأمل فيهم في الحياة. قبل أن تحدث الإنتفاضة.