عبد الحميد جماهري
منذ أن أخذتْ قلبي في نزهة معها ولم تعدْ
وصلتني منه غيوم كثيرة
و زرقة فاضحة
تلون الغابةُ بها مزاجَها…
والثورات كلها كانت ممتنة لها!
وصلتني أسراب من الحمام
وصلتني أيضا أمطار طويلة
خرجت ليلا
من الغابات الاستوائية
ولم تصل بعد شواطئ المرجان
لأنها تعرج عمدا على أرخبيل الحرية
وتقضمه صخرة صخرة
ونرجسة نرجسة..
وصلني ربيع يسير خلفها كطابور من المستطلعين،
لتعرف البشرية أين تقيم السعادة بين شالاتها..
ووصلتني باقات ورود، ووعول ووديان
وشلال هادر من الضحكات..
قلبي الذي يتعب حبا
ويتعب شعرا
ويتعب غناء
يتبعها مزهوا
وهو يردد :
أنا حقل أخضر
ازرعي حشائش
كثيرة في عروقي
وغنيني
نبضا تلو نبض
في كل ساق السمان
لأحوم حولك..
ضدا على كل القساوسة..
وضدا على..
حراس العينين
واليدين..
قلبي الذي اعتاد أن يتبرم كثيرا
ويتوهم كثيرا
ويضرب
عن العالم كثيرا،
يشير إلى جهات العالم كلها ويترنم:
أنا سبورة سوداء واسعة
لا تبلليها بغير الغيم
واكتبي تاريخ اليوم الأول
وبعدها
علميني الأسماء كلها
لأنساها
وأكتب
اسمك
وحده
وعلميني الأفعال كلها لأنساها
وأكتب :
أحبك..
وحدها
وعلميني الحروف كلها
لأنساها..
لتنسى بدورها أن تجوب الأشياء كلها
وتبقى خالصة لصوتك..
قلبي الذي يرتجف عادة
من مرور ملاك في حلم طفلة
يتبعها ممتنا،
يتضور فرحا
في ظلالها:
لا تأتي قلبي بلا رقة السكين
يتربص بتفاح الخطيئة..
وبلا عضة ياسمين في
فمك ..
قلبي الذي أخذته معها في نزهة
يهمس في فستانها
وفي أوراق المريمية
وفي ارتعاشات الأقمار في النهر:
علمي قلبك
علميه يأس الملائكة من خطيئتهم
كي يظل معلقا كرصيف من الغيم
لِما سيسقط منك من ندى الشهوات
كي لا يسير تحت مصابيحه أحد..
كي لا تحشري نفسك بين باقات الورود
من كاردينيا
ووردة الجوري
وتطلي عليه من عسل بارع في البعيد..
و لا تبدعي لك
كما اعتدتك كل صباح،
ظلا
من أقحوان …
ونرجس
ولا فساتين من ليلك ،
كلما اشتد بك الانتظار قرب النافذة..
اتركي الياسمين..
يبحث عنك في الحقول ..
واذهبي إلى طبق اليدين
بفاكهة من عطور…
لم تولد في أية حديقة..
ولم تتدرجْ
في أية أحجية..
…
اتركي الورد كله يتطلع إليك
في ليالي الخريف..
وينتظر ألف ربيع ليشبهك
ويسرق ألف قوس قزح
ليعبر إليك
لونا
ولونا
من الأصفر المشمشي
إلى العصفور
في توشيات الغيوم..
واتركي السوسنة تبحث عن جذرها في قزح
كهلوسة الغريب في الضفاف..
وقطرة قطرة
سُلِّي أنفاس نومك من لائحة العطور
كل الطبقات تتلو بنفسجك
لا البرجوازية الثورية وحدها
ولا البروليتاريا وحدها
ولا ميلشيا الفلاحين وحدها:
كظلّ غيمة على الجدول،
اِجْري بقلبك
بهوا من الغابات
والحقول
تتبعك الأعشاب إلى السرير ..
…
…
…
قلبي الذي أخذته في نزهة معها
ولم يعد..
ما زال يراسل الغابة من وراء ظلها
ويردد كل مساء:
ابحثي لنا عن حطب للنوم
كي نحلم بأمه
الشجرة..
ولا تهتمي للأنساب التي تقودك
إلى صخرة العبيد ..
لا تأتي قلبي بلا رِقَّة السكين
لا تأْتيني بلا جراح
الياسمين
كي لا أحب
عندما تقضمين الشفتين ،
سوى ما يسيل
عندما تجرحين الأغنية !