تعديل حكومي ينتظر الجزائر بعد تعديل الدستور

تستعد السلطات الجزائرية بعد تصويت البرلمان على التعديل الدستوري، لفتح ورشة كبيرة، من أجل تعديل حزمة من القوانين قد يصل عددها إلى 30 قانوناً، تطبيقاً للوثيقة الجديدة، ومنها احتمال تغيير الحكومة، ووضع تشريعات، وتنصيب هيئات جديدة.

ووافق البرلمان الجزائري، يوم الأحد، بالأغلبية المطلقة، على تعديل دستوري طرحه رئيس البلاد، عبد العزيز بوتفليقة، وطال 73 مادة، من بين 182، تُعتبر قوام الدستور السابق، إلى جانب 37 مادة أخرى جديدة.

وكان بوتفليقة صرح، يوم 11 يناير الماضي، في جلسة لمجلس الوزراء، حول الدتعديل الدستوري بقوله “فور المصادقة على المشروع وتلك أمنيتي من طرف البرلمان صاحب السيادة ستنطلق ورشة كبيرة من أجل تنفيذه”.

وأضاف “في هذا المضمار سيتعين على الحكومة العمل بسعي من البرلمان وبمساعدته، على تحضير القوانين المترتبة عن هذه المراجعة الدستورية ،والمصادقة عليها، وتوفير الشروط اللازمة لتنصيب الهيئات المستحدثة”.

وأعلن بوتفليقة في رسالة للبرلمان، بعد مصادقة الأخير على الوثيقة ، استحداث “خلية متابعة” لدى رئيس الجمهورية، تكون مهمتها الأساسية “السهر بعناية على التجسيد الشامل والدقيق لهذه الأحكام (الواردة في الدستور) في الآجال المحددة، وإبلاغ رئيس البلاد بذلك، بشكل منتظم”.

وأمام رئيس البلاد، مهلة 30 يوماً كاملة، اعتبارا من تاريخ مصادقة البرلمان على التعديل، لتوقيع الوثيقة بشكل نهائي، ونشرها في الجريدة (المجلة) الرسمية، لتدخل حيز التنفيذ، أي قبل الثامن من مارس المقبل، كما ينص عليه القانون.

من جهته قال رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، في تصريحات، على هامش جلسة التصويت، إن “الحكومة ينتظرها عمل كبير لتجسيد الدستور المعدل على أرض الواقع”.

وسُئل سلال عن مصير حكومته، بعد دخول الدستور الجديد حيز التطبيق، فأجاب قائلاً: “مسألة تغيير الحكومة تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية، فإذا ارتأى أن يكون هناك تغييراً سيكون، والعكس صحيح”، دون أن يؤكد أو ينفي وجود تعديل حكومي وشيك.

وجاء في التعديل الدستوري في المادة (77 ) “يُعيَن الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، وينهي مهامه”، بعد أن كان يعينه دون الرجوع إليها في السابق، بشكل يؤكد وفق خبراء، أن الرئيس قد يقوم بتغيير حكومي، تطبيقاً للنص الجديد، بتعيين رئيس وزراء جديد من الأغلبية البرلمانية التي يمثلها حزب “جبهة التحرير الوطني” (الحاكم)، كأول حزب في البرلمان .

ورغم أن وسائل إعلام محلية بدأت تنشر تسريبات لم تتأكد بعد، عن قرار بوتفليقة الوشيك، بتغيير الحكومة الحالية، وتعيين مدير ديوانه أحمد أويحي، على رأسها، بدلاً من سلال، إلا أن الخبير الدستوري عامر رخيلة، قال للأناضول إنه “لا يوجد نص صريح يجبر الحكومة الحالية على تقديم استقالتها بعد تعديل الدستور”، مشيراً إلى أن إمكانية إقالتها من أجل استشارة الأغلبية البرلمانية وتشكيل فريق جديد “قائمة”.

ووفق رخيلة فإن “تطبيق التعديل الدستوري الجديد، يعني أيضاً، تغيير عدد كبير إن لم يكن كل القوانين السارية، وحتى تلك المنظمة لسير بعض المؤسسات الدستورية القائمة”.

واعتبر الخبير نفسه، أن الوثيقة الجديدة للدستور، “تفرض إعادة النظر في قوانين مثل الأحزاب، والانتخابات، والجمعيات، والإعلام، وتلك التي تنظم العلاقة بين الحكومة والبرلمان، وبين غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، وحتى النظام الداخلي لهاتين الغرفتين، لأن هناك تعديلات جديدة في هذا الشأن جاء بها الدستور”.

من جانبه، قال الخبير القانوني، عمار خبابة، في حديثه مع الأناضول: “وفق مصادر من دوائر السلطة، فإن حوالي 30 نصاً قانونياً ستتغير بعد دخول التعديل الدستوري حيز التطبيق”.

وتابع: “أعتقد أن الأولوية في التغيير ستُعطى للقوانين التي تنظم العلاقة بين الحكومة والبرلمان، وبين غرفتي البرلمان، وحتى النظام الداخلي للأخيرة، وذلك من أجل أن يتفرغ البرلمان لدراسة القوانين الأخرى”.

بدوره، أكد لمين شريط، رئيس اللجنة القانونية بمجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان)، في حوار مع الإذاعة الرسمية، أن “كل القوانين العضوية دون استثناء، ستخضع للتعديل بما فيها قوانين الأحزاب، والجمعيات، والانتخابات، والمظاهرات”.

وأشار شريط، إلى أنه “يجب أن تمرر تلك القوانين، على المجلس الدستوري(المحكمة الدستورية) الذي سيخضع هو الآخر لجملة من التغييرات في نظامه الداخلي ليصدر رأيه حول مدى تناسقها والدستور الجديد”.

وجاء التعديل الدستوري الجديد بعدة تعديلات تخص عمل البرلمان، من أهمها، أن انعقاد جلساته كان سابقاً، في دورتين خريفية وربيعية، ليصبح الآن، في دورة واحدة من 10 أشهر، كما نص على عقد جلسة شهرية تضع المعارضة جدول أعمالها، كما للأخيرة الحق في إخطار المجلس الدستوري حول عدم دستورية بعض القوانين.

وفيما يتعلق بالانتخابات، تَقرر إنشاء لجنة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، ومنع غير المقيمين بالجزائر، لمدة تصل 10 سنوات على الأقل، من الترشح للرئاسة.

وأصبح بموجب التعديلات الجديدة، حل النزاعات الداخلية للأحزاب، من صلاحية القضاء، وليس وزارة الداخلية، كما أن الأحزاب الممثلة في البرلمان لها حق في إعانة سنوية من الدولة، كما أُلغيت عقوبة سجن الصحفي، وهو ما يستدعي تعديل قوانين الانتخابات، والأحزاب، والإعلام، حسب الخبراء الذين تحدثت معهم الأناضول.

وينتظر أن يصدر قانون خاص بالمادة (51) المثيرة للجدل، والتي تُقصي مزدوجي الجنسية من تولي المناصب العليا في الدولة، وتنص هذه المادة على “التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها، كشرط لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية”.

وفي هذا الصدد، قالت الرئاسة الجزائرية في توضيحات أصدرتها بعد احتجاجات من المهاجرين ضدها، إن قانوناً خاصاً سيصدر لاحقاً، يحصر بدقة، المناصب التي يُمنع تقلدها لمزدوجي الجنسية، فيما أوضح سلال في تصريحات سابقة، أن هذه المناصب هي تلك التي “تمس الأمن القومي” للبلاد فقط، مثل مدير الأمن الوطني، ورئيس المحكمة العليا.

ويُنتظر أيضاً، أن يتم وفق التعديل الدستوري، تنصيب عدد من الهيئات الجديدة، مثل المجلس الأعلى للشباب، وأكاديمية خاصة بترقية الأمازيغية التي رسّمت كلغة وطنية، ومجلس أعلى لحقوق الإنسان، وهيئة مستقلة لمكافحة الفساد، وكلها تابعة للرئاسة.

وحسب الحقوقي عمار خبابة، فإن “هذه التعديلات الكثيرة ستفتح بموجبها ورشات كبيرة لاحقاً، فضلاً عن أنها تؤكد ما ذهب إليه فقهاء في القانون الدستوري، من أن التعديل كان يستلزم إجراء استفتاء شعبي حوله، وليس تمريره عبر البرلمان كما حدث”.

* وكالة أنباء الأناضول

Comments (0)
Add Comment