مختص نفساني: ما هو ذنب الطفل المغربي في حياته الجهنمية؟

جواد مبروكي طبيب نفساني 

 

أرى سواء في عيادتي أو في فضاءات أخرى  شباباً ناشئاً يعاني من صراعات نفسية سواء من ضعف الاهتمام بهم أو من قلة الحنان  والمعاملات العنيفة أو من ضعف الإمكانيات المادية وسوء ظروف العيش بالبيت وكثرة الإخوان والأخوات الذين يعيشون في فضاء ضيق وخصوصا عندما يرون عدداً من أقرانهم لا يعانون من هذا النقص ويتساءل الناشئ “عْلاشْ حْتّى أنا مَتْزَديتْشْ فْوْسْطْ عائلة مَيْسورَة؟ “عْلاشْ أنا مَعْنْديشْ الزّْهْرْ بْحالْ لوخْرينْ؟” أو “عْلاشْ تْكْتْبَتْ عْلِيَّ هادْ العيشة أشْ دْرْتْ أنا؟”

 

مؤخرا زارتني سيدة حامل ولما سألتها هل لها أطفال كان جوابها “4”  ولما سألتها ولماذا الخامس أجابتني: “مْكْتابْ الله”! هل بالفعل الله هو الذي يحدد عدد الأطفال للأزواج؟ هل كل نساء المغرب “مريم العذراء”؟

 

هل “مْكْتابْ الله”هو الجواب الذي يجب تقديمه لهؤلاء الشباب الناشئ؟ إذا وجد طفل نفسه بين 3 أو 4 أو 5 أو 6 إخوان في ظروف عاطفية ومادية مؤلمة هل بسبب “المْكتابْ”؟ ماذا يجري في ذهن هذا الطفل عندما يصبح ناشئاً من تفكير عفوي وفي اللاوعيه؟

 

سَيرى الناشئ بأن الله غير عادل لأنه “كْتّْبْ عْليهْ” أن ينشأ في ظروف جهنمية وكيف له أن يخاف من جهنم وهو بداخلها؟ وباستعمال مفهوم “المْكتابْ” ماذا يدخل الناشئ في روعه عندما يرى أن الله “كْتّْبْ” على بعض الناشئين العيش في ظروف تفوق رفاهية الجنة؟ ومن هنا كيف للناشئ أن يخشى الله الذي لم يعدل في حقه حسب فهمه؟ما ذنبه؟ ماذا صنع ليجد نفسه ليلاً ونهاراً في جهنم؟ ومن هنا تبدأ ثورة بداخله رافضاً واقعه الجهنمي بدون أي ذنب اقترفه ولماذا لا يختار بعد هذا أن يموت ويقتل معه من هم في “الجنة”؟

 

ويتساءل هذا الناشئ لماذا الله “كْتّْبْ عْليهْ هادْ العيشَة” بدون أن يرتكب أي ذنب؟ وبسهولة يفقد الثقة في الله وفي المجتمع الذي لا يحاول إنقاذه؟ يرى حينئذ أن لا أحد يحميه ويحترمه ويساعده على العيش بكرامة كمواطن وخصوصاً أن أبويه عاجزان عن هذا والمحيط الاجتماعي لا يهتم بأمره؟ وبعد كل هذا نبرر حياته “الجهنمية” بِ”المْكْتابْ” ونتساءل لماذا ليس له حسٌّ بانتمائه للمجتمع ويحترمه!؟

 

فما هو ذنب هؤلاء الأطفال؟ هل هو ذنب الذين أنجبوهم أم المجتمع؟ هناك عدة عوامل للإجابة على هذا السؤال.

 

1- الرغبة والحب في الإنجاب

 

في مجتمعنا تغيب ثقافة الحب وبالخصوص التعبير عنه بحيث لا أرى آباء يعبرون عن حبهم للطفل مثل “كَنْحْبّْكْ أَبْنْتي وْ أوْلْدي” ولما أطلب من أب أو أم أن تقول أمامي للطفل “كَنْحْبّْكْ” يكون الرد “راهْ عَرْفْها” ويصبح النطق بهذا التعبير صعبا. في الواقع يغيب عند الأزواج قبل الإنجاب الرغبة ومحبة الطفل قبل بداية تكوينه بحيث تجد الزوجة نفسها قد حملت صدفة “بمشيئة الله” وليس برغبة واضحة وحب في الطفل.

 

2- غياب الحس بمسؤولية الإنجاب

 

يغيب هذا الوعي في مجتمعنا ولا يتساءل الآباء عن مهمتهم ومسؤولية بعد الإنجاب كما لا يتساءلون عن حاجيات الطفل من الناحية العاطفية والمادية التي تُمكنهم من الاستعداد والشعور بأن مهنة الآباء أصعب المهن  لأنها توجب على الوالدين تحقيق سعادة المولود ومرافقته أكثر من 20 سنة حتى يستقل عاطفيا وماديا. كما يجهل كذلك الآباء مسئوليتهم في تكوين “مواطن صالح” ليخدم مجتمعه ويستمر في بنائه.

 

3- المفاهيم الدينية الخاطئة والإختباء وراء الدين

 

من له القدرة على معرفة ما “كْتّْبْ” الله لأي شخص منا؟ كل من يدعي أن ما يقع لهذا ولذاك هو “مْكْتابْ الله” يعني أن الله قد حدّثه جهرةً وأخبره على ما “كْتّْبْ” وهذا شيء جنوني! وإلا فلا داعي للمحاكم والسجون لأن كل ما يقع لنا هو “مْكْتابْ الله” ولا ذنب لنا! للإنسان ضمير وعقل وفكر حتى لا يؤدي بنفسه للتهلكة وينسبه لِ”المكتاب”. ولكن ترويج ثقافة “المكتاب” هي التي جعلت مصنع الأطفال يشتغل بدون حكمة ووقوده “مْكْتابْ الله”؟

 

4- عدم التخطيط

 

لا يتساءل الآباء عن أنواع التربية وأدواتها التي سيستعملونها في تربية طفلهم ولا عن كفاءتهم التربوية وهل يجب عليهم أن يتكوَّنوا في هذا الميدان ويُنمّوا قدراتهم التربوية ويستعدون لدورهم. كما لا يتساءل الآباء هل هم مستعدون للإنجاب وكم عدد الأطفال الذين بإمكانهم مرافقتهم عاطفياً ومادياً  خلال مرحلة الطفولة والمراهقة والدراسة الجامعية بطريقة عقلانية ومتوازنة ويخططون برنامجهم العائلي حتى لا يكونوا سبباَ في شقائهم وشقاء أبنائهم الذين سيصيرون عبئاً على المجتمع.

 

Comments (0)
Add Comment