دلالات ورهانات زيارة رئيس الغرفة الأولى بالمغرب للجمعية الوطنية الفيتنامية..

سعييد جعفر: دكتور في التواصل السياسي

أعلنت إدارة مجلس النواب المغربي زيارة رئيسها السيد حبيب المالكي على رأس وفد نيابي لدولة الفيتنام في زيارة عمل بدعوة من رئيس الجمعية الوطنية الفيتنامية السيد تكوين لو ترونغ بين 17 و22 دجنبر الجاري.

من الناحية السياسة وفي الأعراف الديبلوماسية تصنف مثل هذه الزيارات ضمن ما يسمى بالزيارات البنائية، فهي ليست من الزيارات الاعتيادية أو الدورية التي تجمع المملكة المغربية بالدول الشقيقة أو الصديقة أو المؤسسات الأممية أو الإقليمية التي نحتكم معها إلى القانون الدولي.

تكمن في نظرنا أهمية هذه الزيارة إلى الأسباب التالية، والتي سنفصل القول فيها:

1- أنها تأمين لعلاقات جديدة مع دولة الفيتنام ابتدأت منذ يوليوز الماضي عندما أعلنت جمهورية الفيتنام الاشتراكية سحب إعترافها بالبولبساريو مباشرة بعد زيارة وفد فيتنامي يقوده السيد تكوين لو ترونغ للغرفة الأولى تم فيه التباحث معه من طرف رئيس الغرفة الأولى بالمغرب السيد حبيب المالكي والسيد مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.

2- أنها ديبلوماسية استباقية كان طوق بها ملك البلاد الرئيس الجديد لمجلس النواب إقر تنصيبه في 2016-2017.

3- أنها إختراق ديبلوماسي لمنطقة بتاريخ وبخصوصيات تاريخية خاصة تناصر قضايا الشعوب ومطالب الاستقلال وحتى الانفصال.

تبرير الدفوعات والأسباب الثلاث على الشكل التالي:

جغرافيا توجد الفيتنام في أقصى شبه جزيرة الهند الصينية البعيدة عن المغرب وشمال إفريقيا، يحدها في أقصى الشمال الصين وفي الشرق خليج تونكين وفي الغرب كل من اللاوس وتايلاند و كمبوديا وهي دول لها علاقات وطيدة بالبوليساريو.

نظام الحكم في الفيتنام هو نظام اشتراكي يقوم على نظام الحزب الوحيد الذي يسيره مكتب سياسي من 15 عضوا بمثابة مربع قرار حيث يسطر ويضع السياسات العامة للبلاد.
تتشكل الجمعية الوطنية من 395 عضوا يتنخبون لخمس سنوات، وينتخب رئيس الدولة من بينهم الذي يعين رئيس حكومة ووزراء يساعدونه.

وتتكون الفيتنام من 50 محافظة تتفرع منها حكومات محلية في شكل حكومات فيدرالية تخضع للحكومة المركزية في العاصمة هانوي.
يصل عدد ساكنة الفيتنام الى حوالي 83 ملايين مواطن يصل عدد الجنود والعسكريين والمجندين غير النظاميين إلى حوالي 05 ملايين فرد.

عانت الفيتنام من كل آثار الاحتلال و الحرب فقد احتلت من الجار الأكبر الصين في لحظات تاريخية متفاوتة ومن فرنسا الامبريالية بين القرنين 19 و20 ومن الامبراطورية اليابانية في الحرب العالمية الثانية.
وعانت من تداعيات الحرب الباردة حيث شكل شقها الجنوبي خلفية للرأسمالية والشمالي للاشتراكية إلى غاية 30 أبريل 1976، ولم تعتمد دستورها الحالي إلا في دجنبر 1980.
وقد عانت الفيتنام نفسيا و سياسيا وماليا من هذه الحرب القائمة بالوكالة.
ويعود الفضل في استقلال ووحدة الفيتنام إلى قائدها التاريخي هوشي منه ومنظمته الفيت منه التي نجحت في هزم اليابان في 1945 في معركة ديان بيان فو ثم في هزم حلفاء أمريكا في 1975 لتعلن الفيتنام موحدة مستقلة.

إن ما يهم من الزيارة هو تصحيح تصور دول أقصى شرق آسيا حول نزاع الصحراء. إذ أن الخلفية التاريخية والسياسية للصراع والاحتلال في الفيتنام تجعل حكام الفيتنام من الاشتراكيين/ الشيوعيين يتصورون الصراعات الدالرة في عدد من المناطق الحدودية في العالم ومنها مشكل الصراع على أنه كفاح شعبي ضد قوى إحتلال أجنبية مما يجعل المغرب بلدا محتلا تبعا لذلك.

لقد كان من الضروري تصحيح هذه الوضعية مؤسسيا ويحسب لرئاسة مجلس النواب اليوم أنها وضعت اليد على هذه المفارقة في الموقف الفيتنامي لذلك كان لا بد من التحرك.
والحال أنه منذ يوليوز الماضي جرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقات أفضت إلى تعديل هذا الموقف ليصبح أكثر فهما لطبيعة مشكل الصحراء. وبتتويج الزيارة بإحداث لجنة عليا مشتركة بين البلدين تكون المملكة قد رسمت موقفا جديدا وحاسما في هذا الصراع.

ثانيا لا تجمع المغرب بالدول المحيطة بالفيتنام وهي اللاوس وكمبوديا علاقات وثيقة ثم أنها دول تعترف بأطروحة البوليساريو.إذن من الناحية البيداغوجية والسياسية كان لا بد من أستباق التمهيد لمحاولات التقارب مع هاتين الدولتين اللتين عانتا ولازالتا من آثار الانقسام والانفصال والتدخل الأجنبي.
من الناحية الإجرائية لا تجمعنا بالدولتين أية إطارات إقايمية أو تجمعات إقتصادية أو سياسية أو مصالح إقتصادية، وبالتالي ليس هناك من وسيط مفترض إلا أصدقاء الصحراء المغربية الذين تجمعهم مصالح مشتركة وجدانية او اقتصادية بالبلدين، لكن الظاهر أن البلدين لا يدخلان في المحاور الاقتصادية الكبرى باستثناء محور طريق الحرير الذي تسيطر عليه الصين الشعبية.

إذن يبدو أن التحفيز السياسي من خلال الجار الممتد من شرق الصين إلى خليج تونكين والذي يخترق حدود كل هذه الدول اللاوس و كمبوديا والتايلاند هو الطريقة المثالية لاستباق امكانيات العمل المشترك مستقبلا.
ونظن أن هذه الزيارة وما يترتب عنها من التزامات للطرفين قد يشجع البلدان المجاورة المعنية بالالتفات إلى الأسباب والمصالح التي جعلت جارهم الفيتنام المناصر التاريخي لقضايا تقرير المصير يغير موقفه من نزاع كان نصيرا تاريخيا له.

هذه إذن تفسيرات موضوعية لزيارة المسؤول الأول عن مجلس النواب المغربي مطوقا بالتوجيهات الملكية في هذا الباب.
ومن الطبيعي أن تكون للزيارة أهداف اقتصادية وثقافية وحضارية وهي مجتمعة تخدم هدفا استراتيجيا هو كيف ندخل النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين ونحن محررين أكثر من ثقل قضية مشروعة هي قضية الوحدة الترابية.

إذا نجحت رئاسة مجلس النواب والأحزاب الوطنية وغيرها من التنظيمات الوطنية في تجسير العلاقات مع دولتي اللاوس و كمبوديا في السنوات القليلة القادمة عبر استثمار اختراق اليوم للفيتنام ستكون الوضعية التفاوضية للمملكة قوية مستقبلا.
وربما هذه فرصتنا لتحقيق الأمر.

Comments (0)
Add Comment