عيسى يكن .. مكتبة إبداعية تخلد إلى “الراحة”

برحيل المبدع عيسى يكن تكون الساحة الفنية والأدبية والتربوية الوطنية فقدت أحد أعمدتها، الذين لبوا داعي ربهم مخلفين وراءهم رصيدا ثريا سيظل نبراسا للأجيال المقبلة في حقول متنوعة.

كان الفقيد متعدد الاهتمامات والعطاء، حيث تمكن من ملامسة جوانب إبداعية متعددة شملت، بالخصوص، حقول الفن التشكيلي والشعر والرواية والتشكيل الذي كان يعد، ضمنه، من رواد مدرسة تصغير الشكل بالمغرب، وهو الأسلوب الذي تميزت به لوحاته وطبع بها مسيرته في هذا الميدان الفني رسما ونحتا، وتصميم المجوهرات.

لقد اشتغل الراحل يكن، في لوحاته الأخيرة، على ما وراء الرمز أو العلامة، فلوحاته تمزج بين الرسم والنحت والصباغة، ويجمعها الرمز الذي يعبر عن نفسه، فهو ليس عنصرا – كما جاء على لسان الراحل في معرضه الأخير بالمكتبة الوطنية بالرباط – للديكور ولكن حاملا للثقافة والجمال.

وإذا كان انشغال الراحل (79 عاما)، في مراحل حياته، بعد مغادرته للعمل الإداري بوزارة الشبيبة والرياضة، قد خصصه للفن التشكيلي، ما جعله معروفا لدى المهتمين بكونه من رواد هذا الفن، فإن الحركة المسرحية الوطنية مدينة له بالدور الطلائعي الذي قام به في مجال الإبداع المسرحي منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كانت له أياد بيضاء على الحركة المسرحية منذ بداياتها الأولى، من خلال دعم فرقة المعمورة بعدد من الأعمال المقتبسة عن كبار رجال المسرح العالمي من قبيل شكسبير، من خلال روائعه “تاجر البندقية” و”عطيل” و”هامليت” التي ترجمها على المسرح الراحل أحمد الطيب لعلج، علاوة على روائع أخرى من التراث المسرحي الخالد.

وتشجيعا منه للحركة المسرحية الشبابية، ساهم الراحل يكن، لدى تحمله مسؤولية مدير الشباب والطفولة في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، في دعم هذه الحركة، من خلال الجامعة الوطنية لمسرح الهواة، ودفاعه المستميت عن التكوين المسرحي وحرية الرأي.

فإلى جانب تشجيعه للعمل المسرحي كان من رواد نوادي الثقافة الشعبية في فترة الستينيات، التي تحولت فيما بعد إلى دور الشباب التي دافع عن هويتها التربوية والثقافية باعتبار مركزيتها في التنشئة الاجتماعية.

وقد عمل الراحل يكن، الذي وافته المنية يوم الخميس الماضي بالرباط، طويلا بوزارة الشباب والرياضة، اضطلع فيها بمهام رئيسية، حيث انتقل من رئاسة مصلحة ورشات الفنون التشكيلية والموسيقى والممارسة المسرحية إلى أن تولى مهمة مدير الشباب والطفولة والشباب ثم مديرا للمعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والرياضة.

وكان الراحل يتميز بدينامية ملحوظة خاصة من خلال ربطه لعلاقات متميزة مع منظمات الشباب والطفولة المغربية لإيمانه الراسخ بكون العمل الجمعوي يظل إحدى القنوات الرئيسة في بناء البلاد، فكان من المبادرين إلى إيجاد آليات الشراكة مع هذه الهيئات حيث بادر إلى إحداث اللجنة الوطنية للتخييم سنة 1983 والتي تمكنت في ظرف وجيز من تنظيم خمس مناظرات وطنية خصصت لهذا القطاع الحيوي، كما عمل على إحداث آلية للتدبير المشترك بين الوزارة والجمعيات الوطنية الذي انطلق من مخيمات إفران.

فدور الراحل لم يقتصر فقط على تطوير العلاقات الدولية للوزارة في ميدان الشباب، ولكن أعطاها بعدا مؤسساتيا لإيمانه العميق بالانفتاح على تجارب عالمية رائدة حيث يعود له الفضل في إدراج التعاون وتبادل زيارات وفود الشباب المغربي مع نظيره الأوروبي والمغاربي والعربي ضمن بروتوكولات التعاون بين المملكة والبلدان الشقيقة والصديقة، ما فتح الباب لأطر وشباب المنظمات الجمعوية للاحتكاك مع تجارب أخرى.

*و.م.ع

Comments (0)
Add Comment