تأجيل القمة : انتفاضة ملك على النفاق السياسي

قرار جلالة الملك محمد السادس بعدم احتضان المغرب القمة العربية المقبلة، بالغ الدلالات وعميقها بخصوص طبيعة العلاقات التي ينبغي ان تسود بين الدول الآعضاء في جامعة الدول العربية اولا، وعلى مستوى العلاقات بين هذه الجامعة والشعوب العربية ثانيا هذا يعني اولا، ان المغرب وضع لبنة أساسية على ارضية العلاقات العربية باتجاه القطع مع نوع من المجاملات وربما النفاق السياسي في التداول حول الأحداث والوقائع التي تكشف عمق الأزمة في واقع الدول المنضوية في اطار هذه الجامعة. وهو سلوك تبين مع مرور الزمن وتتالي الأزمات انه غير ناجع في معالجتها وانما يساهم في تعقيدها.
فقد اكد القرار المغربي تهافت أي سلوك لتغطية الواقع الذي يعبر عن الفشل ببلاغة خطاب بيانات تصدر من هذا الاجتماع العربي او ذاك يعرف مدبجوها قبل غيرهم انها في أحسن أحوالها قد تتم اعادة قراءتها او الإشارة الى بعض مضامينها بهذه المناسبة او تلك وأنها ليست أصلا للتنفيذ وانما للحفاظ على تضامن الواجهة وتوافق الخطاب الفارغ من اي مضمون اللهم توفير الغطاء اللازم لبعض الممارسات التي لا تمت بأي صلة تذكر مع اي من بنود تلك البيانات والقرارات والتوصيات بل تكذبها الممارسة.
وعلى هذا المستوى فالقرار المغربي دعوة الى الانتفاضة الرسمية على أسلوب في التعاطي مع الشعوب اقل سماته سلبية وسوءا اعتبارها قاصرة عن ادراك طبيعة ما يجري على ارض الواقع وان استصدار قرار لا يمكن تفعيله من مؤتمر القمة كاف ليجعلها تنسى طبيعة ذلك الواقع، او تتناسى عدم جدية الخطاب الرسمي الذي نادرا ما يقرن بين الأقوال والأفعال.
كما اكد قرار ملك البلاد ثانيا، ان على شعوب دول الجامعة وقواها السياسية والاجتماعية الحية، ولو بشكل غير مباشر، العمل على ممارسة كل اشكال التعبير الممكنة في سبيل إشعار قيادات الحكومات والدول بأن ساعة الحقيقة قد دقت وان عليها الانطلاق اولا وأخيرا من المصالح العليا لشعوبها عند صياغة سياساتها البينية وان الأسلوب التقليدي الذي اعتمدته الجامعة خلال العقود الماضية قد انتهى الى الفشل الذريع بحيث لم يعد التعايش معه ممكنا وان عليها أخد العبرة من دروس الفشل الذي منيت به عند معالجة اهم القضايا التي عليها معالجتها وخاصة خلال ما يناهز الثلاثة عقود الأخيرة.
وللتذكير فإن المغرب معروف بأدواره الوازنة في إنجاح القمم العربية التي تقام على اراضيه على مدى تاريخ جامعة الدول العربية. وقد ارتبط عدد كبير من قرارات الجامعة باسم المغرب حيث تمت بلورتها واتخاذها، حتى عندما تكون اجواء التوتر والأزمة هي التي تسود العلاقات العربية العربية وخاصة منها بين الدول التي ترغب في لعب أدوار تعتبرها دول اخرى غير مؤهلة لها بسبب ضعف او انعدام الثقة بين تلك الدول منذ سبعينيات القرن الماضي. ذلك ان تلك الدول ينتهي بها المطاف الى قبول المغرب بلدا مقبولا لدى الجميع لاحتضان عدد كبير من القمم العربية نظرا لطبيعة علاقات الاحترام التي ظل المغرب يحتفظ بها تجاه مختلف القادة العرب على الرغم من الاختلافات في الرأي والموقف بينه وبينها من قضايا عربية ساخنة في هذه الفترة او تلك. غير ان منهجيته في إدارة الأزمات وتقريب وجهات النظر المتعارضة بعضها من البعض الآخر مكنت في الغالب الأعم ان تجعل من المغرب البلد القادر على احتضان القمم عندما لا يكون هناك مناص من تفادي انعقادها نظرا لطبيعة التحديات التي تواجهها الدول العربية والتي يقدر الجميع ان مخاطرها أشد بكثير من تقديم تنازل هنا او هناك كما يستدعي التئام القادة بغض النظر عن خصوماتهم السياسية اوحتى الشخصية في بعض الأحيان.
وفي هذا السياق، على سبيل المثال لا الحصر،، اتخذت قرارات مفصلية بالنسبة لنضال الشعب الفلسطيني في قمة الرباط عام 1974 عندما تم التنصيص على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهو قرار حسم الكثير من الجدل حول تمثيلية المنظمة لهذا الشعب من جهة، وابعد من جهة ثانية، كل محاولة إسرائيلية لجعل الخيار الأردني الخيار الوحيد المفتوح امام الشعب الفلسطيني، وتحجيم من جهة ثالثة، محاولات بعض الدول العربية استخدام الورقة الفلسطينية لخدمة اجنداتها المحلية او الاقليمية.
غير ان أزمة اليوم لم تعد أزمة توجهات سياسية ودبلوماسية بين الدول العربية وإنما هي أزمة تضع استمرار وجود أنظمة سياسية بعينها بين قوسين في سياق ما سمي بالربيع العربي الذي تحول الى حروب أهلية غذتها تدخلات إقليمية ودولية وهمشت كل قضايا التضامن والتعاون في رفع التحديات ودرء المخاطر التي يدرك الجميع انه لا مأمن منها متى تم الإبقاء على اوضاع التشرذم والضعف إياها. لذلك كان ضروريا اتخاذ قرار بهذا الحجم لأن المغرب ليس مستعدا للإشراف على قمة لن تكون بالتأكيد في مستوى تحديات المرحلة الراهنة.