ما‭ ‬الذي‭ ‬يهمنا‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجزائرية؟‮..‬

بقلم عبد الحميد جماهري

ليست‭ ‬الجغرافيا‭ ‬هي‭ ‬الشرط‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نهتم‭ ‬بالانتخابات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬إنها‭ ‬الشرط‭ ‬المجالي‭ ‬للسياسة‭ ‬كما‭ ‬ستفرزها‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ستشير‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬الجارة‭ ‬الشقيقة‮..‬
تهمنا‭ ‬رهانات‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬شرط‭ ‬الثقة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬للاقتراع‭ ‬فحسب،‭ ‬فذلك‭ ‬مؤشر‭ ‬حقيقي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬يطعن‭ ‬الشعب‭ ‬المعني‭ ‬فيها،‭ ‬إما‭ ‬بعدم‭ ‬التصويت‭ ‬أو‭ ‬بالتصويت‭ ‬الأبيض‭ ‬أو‭ ‬بالغياب‭ ‬المطلق‮..‬
سيكون‭ ‬علينا‭ ‬فعلا‭ ‬أن‭ ‬نقيس‭ ‬درجة‭ ‬قوة‭ ‬النظام‭ ‬المؤسساتي‭ ‬وقراراته،‭ ‬لاسيما‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنا‮.‬
فالجزائر،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬مؤسساتها‭ ‬التشريعية‭ ‬منها،‭ ‬حاضنة‭ ‬للانفصال،‭ ‬ولجنها‭ ‬المنتخبة‭ ‬أدوات‭ ‬توزيع‭ ‬ودعاية‭ ‬لهذا‭ ‬الانفصال‮..
وبالتالي‭ ‬فقضية‭ ‬مثل‭ ‬قضيتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬لتوزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬المؤسساتية‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬الجزائرية،‭ ‬لاسيما‭ ‬المنتخبة‮..‬‭ ‬
يهمنا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬نفهم،‭ ‬كيف‭ ‬تحضر‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مخاوف‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬و»طابوهاته‮«‬،‭ ‬فنحن‭ ‬لم‭ ‬نتابع‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬إسمنتا‭ ‬سياسيا‭ ‬وآلة‭ ‬دعاية‭ ‬ومبرر‭ ‬‮«‬مشروعية‮«‬‭ ‬التواجد‭ ‬تحت‭ ‬رايته،‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬استحقاق‭ ‬شعبي‭ ‬بأن‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الانتحار‭.‬
‭******‬درس‭ ‬في‭ ‬إجهاض‭ ‬الانتقالات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فالبلاد‭ ‬أضاعت‭ ‬موعدين‭ ‬أساسيين‭ ‬من‭ ‬مواعيد‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والقرن‭ ‬الحالي‮:‬
‮-‬‭ ‬أولا،‭ ‬كل‭ ‬الانتقالات‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية،‭ ‬وفي‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬تركت‭ ‬بصمات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮.‬
المغرب‭ ‬مثلا‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬انفراج‮..‬داخلي‭ ‬كبير،‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬نحو‭ ‬مصالحات‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتعددة‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬المصالحة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬1996،‭ ‬ثم‭ ‬فتح‭ ‬انتهاكات‭ ‬الماضي‭ ‬وتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬العدالة‭ ‬الانتقالية‮.‬
هذه‭ ‬الأحداث،‭ ‬وجدت‭ ‬الجزائر‭ ‬فيها‭ ‬تعبيرات‭ ‬أكتوبر‭ ‬1988،‭******** ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الشاذلي‭ ‬بن‭ ‬جديد،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬وتراجع‭ ‬قبضة‭ ‬الحزب‭ ‬الوحيد‮..‬الخ‭ ‬
غير‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬وقتها،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬دموية‭ ‬دامت‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وسقوط‭ ‬عشرات‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬واختطاف‭ ‬قرابة‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬شخص‮..‬‭ ‬
وكانت‭ ‬المفارقة،‭ ‬أن‭ ‬التجديد‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وقاد‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬قارات‭ ‬عديدة‭ ‬وسمح‭ ‬بمؤتمرات‭ ‬‮-‬‭ ‬ندوات‭ ‬‮-‬‭ ‬وطنية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وحكم‭ ‬العسكر‭ ‬والأحزاب‭ ‬الوحيدة،‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬وصول‭ ‬الإسلاميين‭ ‬إلى‭ ‬صدارة‭ ‬الاقتراع‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭.‬‮…‬
وهي‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬أطرت‭ ‬كل‭ ‬الأعمال‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬القارات‭ ‬المعنية‮..‬
ثانيا‭ ‬‮:‬‭ ‬انتقالات‭ ‬2011،‭ ‬والتي‭ ‬تسارعت‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬وتساقط‭ ‬الأنظمة،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬مطالب‭ ‬التغيير‭ ‬عالية،‭ ‬وجدت‭ ‬الجزائر‭ ‬تعالج‭ ‬صدمتها‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬الانتقال‭ ‬الأول،‭ ‬المجهض،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الأحزاب‭ ‬باردة‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد،‭ ‬وكانت‭ ‬مراقبة‭ ‬المغرب‭ ‬تثير‭ ‬اهتمام‭ ‬النخب‭ ‬والشعب‭ ‬الجزائريين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬انتقالها‮…!‬
وقد‭ ‬قدر‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬ضيفا‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬جبهة‭ ‬القوى‭ ‬التشاركية‭ ‬لأيت‭ ‬احمد‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وحضرت،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ثوار‭ ‬تونس،‭ ‬تجمعا‭ ‬جماهيريا‭ ‬في‭ ‬2012‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬منذ‭ ‬1988‮..!‬‭ ‬أي‭ ‬قرابة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الغياب‭ ‬العملي‭ ‬للأحزاب‭ ‬والسياسة‮..‬
هنا‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬نخبة‭ ‬الجزائر‭ ‬الحاكمة‭ ‬مع‭ ‬الموعد،‭ ‬ودبرت‭ ‬الانتقال‭ ‬الثاني‭ ‬بصدمة‭ ‬الأول،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬دبرت‭ ‬الانتقالية‭ ‬بصدمة‭ ‬واحدة‮…‬‭.‬
‭ ‬2‭- ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحالية‭ ‬بمعرفة‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تعتمل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع،‭ ‬لأن‭ ‬المشاركة‭ ‬ضعيفة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والعجز‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬والمواطن‭ ‬ملحوظ،‭ ‬والعجز‭ ‬في‭ ‬الشرعية‭ ‬التمثيلية‭ ‬أيضا‮..‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فقر‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬القاموس‭ ‬السياسي‭ ‬الانتقالي‮..‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬2016،‭ ‬والتي‭ ‬أعطت‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬للبرلمان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬رئاسي‭ ‬قوي،‭ ‬والتباس‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‮…

Comments (0)
Add Comment