ضد الاكتئاب

سيستأنف مهرجان «البولفار»، الذي ينظم في مدينة الدارالبيضاء، نشاطه هذه السنة، بعد توقف اضطراري السنة الماضية، بسبب غياب التمويل، ليعطي الأمل في إمكانية استمرار هذه التظاهرة الثقافية والفنية، التي حققت نجاحاً منذ انطلاقها، خاصة بين الشباب، الذي وجد فيها فضاء للتعبير عن أنواع جديدة من الموسيقى ومن أشكال التعبير الفني.

ويمكن القول إن هذا المهرجان لاقى إقبالاً متميزاً من طرف فئات تعشق أو تكتشف نوعاً من التعبيرات الفنية، هي مزيج من الإبداع والانفتاح على تجارب موسيقية، خاصة تلك التي ظهرت في مجتمعات أخرى، والتي جمعت بين الخروج عن «القواعد» المعتادة والاحتجاج والبحث عن آفاق جديدة…

وبالإضافة إلى هذا البعد، فإن هذا المهرجان يحاول استغلال فضاءات متعددة في المدينة، بهدف منحها قيمة ثقافية، كما هي التجارب في مختلف بلدان العالم المتقدم، التي حولت ساحات وأسواق ومنشآت قديمة، إلى معارض ومسارح ومنصات مفتوحة، ترتادها الفرق الفنية، وتخلق في المدينة البهجة والفرح ونشوة الإبداع.

مدينة الدارالبيضاء، كمثيلاتها من المدن المغربية الأخرى، خاصة ذات الكثافة السكانية العالية، تحتاج إلى هذا النوع من المبادرات، من أجل خلق فضاءات وأجواء ثقافية وفنية، في غياب أو ضعف التأطير التربوي والثقافي، الذي من المفترض أن تقوم به المؤسسات الرسمية، سواء تلك التابعة للحكومة أوالمنتخبة، حيث يظل الأطفال والمراهقون والشباب، فريسة الضياع والإهمال، كما تعيش المدن حالة من الاكتئاب الدائم، خاصة عندما تتكاثر الأوساخ والبناء العشوائي والازدحام واكتظاظ السيارات والضجيج…

من اللازم تشجيع مثل تظاهرات «البولفار»، وفتح الفرص أمام الشباب لتطوير إبداعاتهم الثقافية والفنية، علماً أن عدداً من التجارب الناجحة في الموسيقى والمسرح، نشأت بأشكال مختلفة، قريبة من الشارع ومن الناس، ممزوجة بطابع العفوية والهواية، قبل أَن تتخذ صفة الاحتراف.

من المؤكد أن مهرجان «البولفار» يتجاوز الفرجة والنشوة الإبداعية، فهو يحمل رسائل ثقافية، ضد التزمت والانغلاق والرجعية، التي تناهض مثل هذه الأشكال من التعبيرات الفنية، التي تخرج عن «المعتاد»، خاصة وأن عدداً من منظميه ورواده، لا يخفون توجهاتهم المنفتحة، في الغناء والرقص والمظهر والسلوك.