المناضل مصطفى حتيم يكتب عن سي محمد بن سي عبد الرحمان
محطة24 – مصطفى حتيم
دفين تادلة التي قضى بها أواخر عمره بعد ان قضى بدواره صباه وشبابه وكهولته، تخللتها فترات شروذ خارج تربته ، إما الى الجبل وهو طفل رفقة أسرته خلال فترة الاستعمار التي سميت تلطفا واحتيالا بالحماية الفرنسية ، او خلال فترة الاستقلال الى عاصمة بني عمير تاجرا يضرب في الأرض ابتغاء فضل
الله ونيل حظه وحظ أبنائه من أرزاقه التي لاتعد ولاتحصى …
هو الفقيه ابن الفقيه الذي يُعرَف بين ناس الدوار أنه لم “يشارط” بأي مسجد حفاظا ايات الله للاطفال ،أوآمًاََ الناس للصلاة، إلا اذا تخلف الفقيه الرسمي لسبب من الأسباب …!
أما هو فلقد جمع بين التجارة والفلاحة المعيشية وتربية الأغنام والأبقار وخياطا “مُطببا” لملابس أبنائه وممارسا لكل مايرتبط ب((البريكولاج المنزلي ))…
وأخيرا وليس اخرا ، صيادا ماهرا للسمك يغشى النهر ليلا ونهارا، صيفاء وشتاء ، ولا يعود منه صفر اليدين إلا لماما … !
باع جزءا من فدادينه التي ورثها كباقي أشقائه عن ” بابا سيدي ” ليغطي بها مصاريف تدريس أبنائه…!
وكذلك فعل مع القرض الفلاحي ، حيث عوض ان يستثمرفي الارض ، استثمر هو في الموارد البشرية التي لم تكن سوى ابناءه الذين اوصل اغلبهم للبكالوريا وما بعدها ….!
لم يمنعه كونه حاملا لكتاب الله أن يصاحب “النصراني” مول “الكانتينة ديال الشراب ” وينال ثقته ليربط معه علاقات تجارية ترتبط بتربية المواشي والأبقار وشراء غلة الضيعة بثمن تفضيلي …!
ولهذا كنت اسميه أنا شخصيا ب((الفقيه الليبرالي )) الذي يقضي سواد وقته مع كتاب الله وطقوس عبادته لكنه كان منفتحا على محيطه ولا يتدخل في شؤون أبنائه الا لحثهم على الجد والاجتهاد …!
ولا زالت الذاكرة تحتفظ بأنه لولا “مسيو لندري ” لذهب فيها الفقيه سي محمد هباء منثورا في نهاية الستينيات حيث بعد أن أشبع هذا الأخير أفراد كوميسيرية المعاريف الذين حلوا بغثة بالدوار ،قلت أشبعهم جعة وشربا انبرى متصديا لشكوكهم ليقنعهم بأن الفقيه بريء من التهمة الثقيلة التي كانت تحوم حول عنقه…!
وان ينسى كاتب هذه السطور من الكثير مما شاهده وعايشه وعاشه من وقائع ،فلن ينسى ذاك اليوم القائظ الذي طرق فيه عناصر اللون الكاكي ذي النجوم النحاسية على الأكتاف – وكانت وجبة الغذاء قصعة “تشيشة” ولبن- وما إن فتحت زوجة الفقيد الباب بعد أن سمعت صوت الطرق يتصاعد وثيرة وحجما،حتى انتشروا في البيت وخصوصا في بيت ((الفاصة)) والبقرة السوداء ،بحثا عن وسيلة الإتباث ، حيث كانت قطعة ((لندول)) التي يستعملها الفقيه بخيط الصيد كافية لتبيث التهمة التي لم تم تكن سوى ((المساهمة في تزوير القطع المعدنية ))
أقبح بها من تهمة تلك التي برأه ((لندري)) منها ونزهه عن ارتكابها …!
نعم هكذا أنجاه النصراني بأعجوبة، وسله منها كما تسل الشعرة من العجين …!
يجذر بالذكر أن سي محمد ظل وفيا لحزبه ،حزب “سي علال” في مختلف الاستحقاقات التي عرفها البلد ، الى أن حل بتادلة ،فأصبح بقوة الأشياء والسياق “منشقا” عنه ،لكنه ظل محبا و مقدرا ل”سيدي علال” ومرددا لبعض أشعاره
“مغربنا وطننا روحي فداه
ومن يدس حقوقه يذق رداه
الحرية جهادنا حتى نراها
والتضحية سبيلنا الى لقاها …”
ذاك هو الوالد الذي لن أوفيه حقه مهما استفززت ذاكرتي لأكتب عنه ،لذا سأكتفي بالقول بأنها فقط محاولة pour lui rendre homage , بلغة صديقه
André Paul
أو”لندري” الدوار.
سي محمد ولد سي عبد الرحمان الذي عاش فقيرا ومات فقيرا ،فطوبى للفقراء المخلصين ورحمة الله عليه وعلى جميع من يتصل برحم والدته أو ممن هم في حكم الأقربين من عائلته وأصحابه من أهل الدوار الذين عشنا معهم آباء لنا ،و كذا على جميع الطيبين ممن قضوا ،وألحقنا بهم مسلمين .
اللهم آمين ،والحمد لله رب العالمين .