بقلم الدكتور  سعيد جعفر

 

في الوقت الذي كان وزراء بإسم حزب سياسي يحتلون منصات الخطابة بمناسبة احتفالات ماي في خلط واضح للأدوار، كان مسؤولان اتحاديان في البرلمان والحكومة يقطعان آلاف الأميال في قارتين مختلفتين دفاعا عن المصالح العليا للوطن من خلال الواجهات الحكومية والبرلمانية والحزبية.

السي محمد بنعبد القادر وزير الوظيفة العمومية وعضو المكتب السياسي للحزب في مصر ثم فلسطين ثم المغرب العميق في خنيفرة و أولاد زمام بالفقيه بنصالح، والدكتور حبيب المالكي رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الوطني للحزب في كوريا الجنوبية بعد زيارة ولقاءات مثمرة مع كل الطيف السياسي بإسبانيا.

ما الذي يجعل زيارتي السي الحبيب والسي بنعبد القادر مثمرتين؟

كيف يكون الوطن دينا و أوكسجينا للإتحاديين والإتحاديات وللإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية؟

 

أولا لا شيء كان يمنع قيادة الإتحاد من إستغلال منصات فاتح ماي من خلال مركزيته النقابية لإطلاق النار على الحكومة التي هو مشترك فيها، في مشهد سوريالي غير مقبول لا ذوقا ولا عقلا ولا أخلاقا ولا سياسيا.

كان بإمكان الإتحاد أن يتحرر من حسه السياسي الرفيع ومن إيمانه بمبدأ الوضوح في المواقف والتموقعات وأن ينخرط في هذا الخلط وهذه الهجانة المحكومة بالإيمان بالهيمنة واللاوضوح، لكنه عوضا عن ذلك إستمر في رسالته التاريخية الوضوح وخدمة المصالح العليا للوطن من مختلف المواقع الحزبية والبرلمانية والحكومية.

لهذا السبب رحل أولا بنعبد القادر إلى مصر ثم فلسطين ثم سهل تادلا.

ولهذا السبب رحل د.حبيب المالكي إلى كوريا الجنوبية وبعدها كوستاريكا.

في القاهرة عزز محمد بنعبد القادر موقع المملكة في أجهزة المنظمة العربية للتنمية الإدارية بإنتخابه عضوا في المكتب التنفيذي من بين ممثلي سبع دول عربية و هو مايعكس حجم الإحترام للمملكة المغربية ولجهود الديبلوماسية المغربية ولجهود السي محمد بنعبد القادر في الترويج لفلسفة الإصلاح الإداري بالمغرب.
وبدون شك فمثل هذه المحطات ليست فقط بروتوكولية بل هي مناسبات للتفاوض على أكبر المكاسب لفائدة القضايا الوطنية العليا.

من مصر إنتقل الوزير محمد بنعبد القادر إلى فلسطين حيث سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتأكيد موقف المملكة الداعم لإستقلال فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وليتباحث مع الرئيس الفلسطيني مستجدات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وبدون شك فلقاءات المسؤول المغربي بالفاعلين السياسيين والميدانيين في الضفة الغربية لا بد تساعد المملكة في تسجيل نقط وإستنتاجات ومماثلات مهمة بصدد مخططات خصوم الوحدة الترابية في مناطق النزاع الحدودية عبر تجنيد جماعات مسلحة للصراع بالوكالة في إطار سياسة التوسع.

ولا بد كذلك أنه نفس الهم الوطني الذي حكم سفر بنعبد القادر من فلسطين إلى خنيفرة وأولاد زمام بالفقيه بنصالح مؤطرا باسطا العناصر التي يجب أن تشكل مدخلات جبهة التعبئة الوطنية من أجل السيادة الوطنية، وذلك بمناسبة الندوة الوطنية حول ” التعبئة من اجل جبهة وطنية للترافع عن الوحدة الترابية” التي نظمها المجلس الجماعي لأولاد زمام بشركة مع جمعية اولاد عريف للتنمية.

الدكتور حبيب المالكي رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الوطني للحزب وبعد زيارات تاريخية للفيتنام واسبانيا حيث “إخترق” حصونا حصينة لجبهة البوليساريو، إنتقل منذ الأيام الأولى للشهر الجاري إلى كوريا الجنوبية بموازاة مع المصالحة التاريخية بين الكوريتين.

د.حبيب المالكي لم يكتف بلقاء مسؤولي دولة كوريا الجنوبية رئيسا و ورئيس الجمعية العمومية و مسؤولين حكوميين بل إستحضر رأسماله كأستاذ للإقتصاد و رئيس للمركز المغربي للظرفية الإقتصادية ورئيس سابق لجمعية البحر الأبيض المتوسط للبحث الإقتصادي وكوزير سابق للتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، ليحاضر في أرقى جامعة في كوريا الجنوبية في موضوع ” الإستلهام من النموذج التنموي الكوري الجنوبي”، داعيا في نفس الوقت إلى عقد شراكة موسعة بين كوريا الجنوبية والمملكة المغربية لتعزيز التبادل السياحي و الإقتصادي والعلمي، وتشجيع الإستثمار الكوري الجنوبي بالمغرب.

أين يكمن الوطن وقضاياه في “تمارين” الحبيب المالكي و محمد بنعبد القادر؟

يكمن الوطن في الإختيارات أولا، فالمسؤولان لا يضعان رجلا في المسؤولية وعينا على الإنتخابات وقلبا على الصناديق.

ورغم أنهما واعيان بأهمية الإنتخابات خصوصا وهما يستحضران نتائج تجربة التناوب والصعوبات الإنتخابية في جزئيات 2018، إلا أن هذا لم يشكل لهما فرصة للتفكير بمنطق حزبي صرف، وإستمرا مؤمنين بأولوية الوطن على الحزب التي شكلت فلسفة للحزب كحركة للتحرر الوطني وكإمتداد لهذه الحركة اليوم.

ويكمن الوطن أيضا في هذا الهم المحايث والملازم الذي يلازم زيارات المسؤولين، و ما يفسره هو وضعهما لقضايا سيادة وتنمية الوطن قبل قضايا الحزب أو الجماعة أو الإيديولوجيا.

كان بود المسؤولين أن يضعا مصالح الحزب ضمن جلسات التعاون بإقتراح زيارات تبادل أو تأسيس جمعيات ومنظمات طلابية أو التشكي من مخاض الديمقراطية كما حدث مع آخرين

السي محمد والسي الحبيب يسخران ليس فقط بروفايلاتهما السياسية والتدبيرية الغنية، وليس فقط جهودهما وطاقاتهما في التنقل عبر مختلف عواصم العالم، ولكن أيضا، وهذا هو الأهم، رصيد الإتحاد الإشتراكي التاريخي والدولي كحركة تحرر وطني وأحد مؤسسي منظمة القارات الثلاث والأممية الأشتراكية والتكتل التقدمي الدولي.

وأساسا كذلك لأنه مؤسس لعقيدة إسمها الوطن أولا في 1959 و 1975 و 1998 و 2016 وستستمر بدون شك.