نظمت جماعة العدل والإحسان، يوم الأحد فاتح الربيع النبوي 1437ه / 13 دجنبر 2015، حفل الذكرى الثالثة لرحيل الإمام على الساعة الحادية عشرة، والذي نسق فقراته الأستاذ حسن شرف، وحضرته نخبة من العلماء والدعاة والمفكرين والفنانين والحقوقيين والسياسيين من المغرب وخارجه.

افتتح الحفل بتلاوة آيات بينات من الذِّكر الحكيم للقارئ رشيد المزاوي، تلتها كلمة الأمين العام لجماعة والإحسان العلامة محمد عبادي رحب فيها بالحضور، وترحم على الإمام وزوجه للاخديجة رحمهما الله وعلى العالم الرباني علي سقراط ومن سبقنا إلى الدار الآخرة. وأضاف “عندما نذكر الأموات نذكر أنفسنا بالدار الآخرة وصاحب الذكرى كان يذكرنا بالموت والآخرة، بحيث لا يخلو مجلس إلا ويذكر بهما” ، ثم تلا نصين من كتب الإمام تتحدث عن الحوار والتوافق والتعاون، ودعا من خلالهما إلى “تأسيس خطاب إحساني قرآني جديد” ، ينقد الإنسانية من البؤس والشقاء. فالخطاب الإحساني هو البديل لخطاب العنف والصراع بين الأحزاب، وحذر حفظه الله من أن يتحول الصراع اللفظي إلى العنف العملي بين البشرية، كما أكد على أن الإمام ياسين عاش بالإحسان وعلى الإحسان وكان مشروعه الإحسان “هذا الرجل ولد في كنف الإحسان وقال: إنما خلقتُ للإحسان” . والعدل متضمن في الإحسان، والإحسان هي الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، يضيف. لذلك فالأمة الإسلامية محتاجة إلى الإحسان احتياجا كبيرا، و أشار الأمين العام لجماعة العدل والإحسان إلى أن “الأمة إذا ساد فيها الإحسان محبة وعطاء ستستأنف مهمتها لإنقاذ البشرية” ، وختم كلمته بالدعاء للإمام رحمه الله.

المهندس عبد الرحيم شَيْخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح

بعد ذلك أخذ الكلمة الأستاذ عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح الذي نبه إلى الـمَعلمة البارزة في كتابات الإمام رحمه الله وهي الإحسان، فـ“الإحسان لا تحتاج إليه الحركة الإسلامية فقط، بل تحتاج إليه البشرية جمعاء، وما العدل إلا مرتبة من مراتب الإحسان” ، وأكد الشيخي على أن مطلب الإحسان هو غاية الجميع، لذلك فهو سبيل للتوحيد بخلاف مطلب العدل. ثم تلا مقتطفات من كتاب المنهاج النبوي للإمام في الأخلاق الإيمانية الإحسانية، ليؤكد مركزية الإحسان في التربية الإيمانية.

الأستاذ عبد السلام كريمس عن الوفد الجزائري

أما الأستاذ عبد السلام كريمس، الذي تحدث باسم الوفود التي حضرت من الجزائر، فقال “مرشدكم لم يعش لنفسه ولا لجماعته ولا لوطنه بل عاش للإنسانية جمعاء، فقد جمع الرجل بين التنظير والتنظيم، كان رجل الأمة ورجل الإنسانية جمعاء. الإمام المؤسس هو ملك للإنسانية وجماعته هي إضافة مباركة في زمن التحولات الكبرى. فهو لم يقف عند الماضي بل استشرف المستقبل” . ورأى بأن الزمن هو زمن الإسلام. والإسلام هو الحاضر القوي في هذه التحولات، “إسلام الرحمة والعدل والوسطية والاعتدال والعزة والكرامة والتعايش والحوار مع الآخر. رحمة للعالمين، هذا ديننا وهو أمانة في أعناقنا” .

وكعادته في مثل هذه المحطات أعطي قوس الشعر باريها الأستاذ الشاعر منير الركراكي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، الذي ألقى قصيدة بالمناسبة بعنوان “حياة في أبيات” ننشرها لاحقا.

الأستاذة زينب التاقي من موريتانيا

أما الدكتورة زينب التاقي عن حزب تواصل بموريتانيا، فقد قالت في كلمتها بأن الإمام ظلُم من معاصريه… وأضافت “رأيناه (نحن أبناء الحركة الإسلامية خارج المغرب) من خلال كتاب الإحسان وكتاب تنوير المؤمنات وهو يحاول أن يجعل سنة الحبيب المصطفى هي بوصلة الأمة، فقد كان استثناء من الاستثناءات كما كان حسن البنا وسيد قطب. استثناؤه في تلك الإضافات التي أضافها رحمه الله منها مفهوم الانكسار الحضاري، وقول كلمة الحق إلى السلطان الجائر من خلاله رسالته الإسلام أو الطوفان” . كما نبهت التاقي إلى رفض الإمام اللقاء مع الاستبداد في منتصف الطريق. وختمت كلمتها بقولها: “طوبى لأبناء الحركة الإسلامية بهذا الميراث التي تركه الإمام وهو ميراث النبوة” . والأجيال القادمة ستجسد تلك المعاني التي بشر بها.

الأستاذ خالد السفياني: المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي

المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي الأستاذ خالد السفياني تحدث بدوره في هذه المناسبة، وقال بأنه “لا بديل عن الحوار لمواجهة المخططات التي تستهدفنا في كل مكان وإيقاف النزيف، والعودة إلى مفهوم الإحسان ومفهوم العدل في الأمة من خلال حوار عميق شفاف وواضح يمكن للإنسان أن يقدم فيه نقدا ذاتيا إن أخطأ وأن يقول للآخر أخطأت إن أخطأ” ، وأضاف بأن هذه الفكرة ينبغي أن تنتقل إلى كل أرجاء الأمة، خاصة وأن هناك قواسم لا يمكن لأحدٍ منا أن يهرب منها، ومثَّل لذلك بمشترك القدس ومشترك القضاء على الظلم، ليختم كلمته بقوله: “باسم المؤتمر القومي الإسلامي أود أن أتقدم بالاعتزاز وبالافتخار بأن من بين أبناء أمتنا راحل اسمه عبد السلام ياسين” .

الفنان رشيد غلام

بعد ذلك كان الحضور على موعد مع الكلمة الموزونة المغناة، إذ قدم الفنان رشيد غلام أغنية عن الإمام من لحنه ومن شعر الشاعر الصادق الرمبوق بعنوان “أناجي طيفه” .

وبعده ذكَر مُسير الحفل أن كثيرا من المدعويين من خارج المغرب لم يتمكنوا من الحصول على التأشيرة، وبعضهم أرسل رسالة تُليت في الحفل، منها رسالة من الأستاذ جمال حشمت من مصر باسم جماعة الإخوان المسلمين بالخارج، يترحم فيها على الإمام رحمه الله ويذكر ببعض مناقبه التربوية والعلمية والسياسية. ورسالة من فرانسوا بوركا وشهادته في الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله.

الأستاذ محمد المرواني – الحركة من أجل الأمة

ثم استمع الحضور لكلمة الأستاذ الفاضل محمد المرواني رئيس اللجنة التحضيرية لحزب الأمة، الذي اعتبر مناسبة الذكرى الثالثة مناسبتان:“الأولى هي الترحم والثانية هي الاعتبار، هذا الرجل الذي غاب عنا نستفيد منه الكثير من الدروس والعبر”. متسائلا: “كنتُ دائما أطرح على نفسي السؤال: من الذي يجعل نخبنا تخاف ولا تستطيع أن تصمد وتواصل المسير في كل مرة أصاب بالذهول؟”ليجيب بأن “هذا الرجل وجدت فيه أجوبة عن هذا السؤال. الجواب الأول هو الإرادة، هذا الرجل اشتغل على موضوع الإرادة وكان من تلامذة مدرسة الليل. أثر فيَّ أنه كتب وصيته بالليل، ولا تتحقق الإرادة إلا بالمجاهدة” . لينتقل إلى الجواب الثاني: وهو قدرة الإمام على الربط العجيب بين النظر والعمل، في مقابل كثير من النخب التي تفتقر إلى العلم والفقه والفكر. أما الجواب الثالث: فهو اليقين في موعود الله بالنصر وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون.

عبد الله العماري عن حزب النهضة والفضيلة

وعن حزب النهضة والفضيلة أخذ الكلمة الأستاذ عبد الله العماري، وذكر عددا من مناقب الإمام ياسين رحمه الله منذ اشتهار رسالته التاريخية الإسلام أو الطوفان، وعدد مراحل الاعتبار بحياة الإمام رحمه الله. وأشاد بأخلاق الإمام في السجن حيث ذكر أنه “كان كالريح العطر، كان منقطعا إلا من ساعات يستثمرها في الكتابة والمحادثة وملاطفة جيرانه، وكان شديد الألم والحزن لإخوانه السجناء بقدر ما كان شديد الصبر والصمود. في تلك المرحلة أدركنا أننا إزاء رجل ليس كالرجال” . وشدد على استفادة الأجيال الأولى للحركة الإسلامية المغربية من الإمام في عدد من المبادئ مثل رفض العنف ورفض السرية.

الأستاذ حسن الكتاني

الشيخ حسن الكتاني عبر في كلمته عن سروره بالحضور في الدار التي كان يزور فيها الإمام رحمه الله، مذكرا بـ“للعلاقة الوطيدة التي تربطني بالأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، وهي علاقة ورثتها أبا عن جد، فتقوَّت المحبة وتوطدت” ، وذكر بأن أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ومن ذلك نرى ثبات الإمام على الحق الذي يدعو إليه، فـ“كثير من الناس كانوا يملؤون المنابر بكلام ثقيل ثم ينقلبون رأسا على عقب إذا ابتلوا” . وختم كلمته بشهادته في أعضاء الجماعة بقوله: “ولا أنسى أن أذكر أن طبيعة المربي تؤثر في أتباعه ومن ميزات أتباع عبد السلام ياسين هو ذلك الخُلق الرفيع والأدب في الحوار ما قد لا تجده عند غيرهم من أبناء الحركة الإسلامية، وما ذلك إلا لموضوع الإحسان الذي هو أخلاق رفيعة يتربى عليها المرء. أكبر أزماتنا هي أزمة الأخلاق، وهي التي تظهر عند لحظة الاختلاف” .

بعد ذلك أنصت الحضور بإمعان لأبيات مطرزة خطتها قريحة الشاعر الصادق الرمبوق في قصيدة بعنوان “معدن الرشد” ، ينشرها موقع الجماعة لاحقا.

الأستاذ رشيد الترخاني – جبهة الإصلاح – تونس

السيد رشيد الترخاني من تونس، عن حزب جبهة الإصلاح، شكر بدوره جماعة العدل والإحسان وترحم على الإمام عبد السلام ياسين. الذي عده“رجلا لا ككل الرجال فهو المربي والقائد والعالم مفخرة المسلمين” ، ليضيف أن الإمام “جبل من جبال الدعوة المباركة. هو رجل خلقه الله سبحانه وتعالى ليبقى في قلوب محبيه. توفي الشيخ وترك وراءه مئات الآلاف يدعون له بالليل والنهار ترك تراثا ضخما، ترك مدرسة قائمة على المنهاج النبوي… رحل وهو يوصي باستكمال اقتلاع جذور الاستبداد والقمع من حياتنا” وختم مداخلته بإعجابه بوصية الإمام “عصارة تاريخ الشيخ رحمه الله” .

الأستاذ عبد اللطيف أربا – تركيا

ومن جهته عبد المطلب أربا، نائب عميد كلية صباح الدين زعيم بتركيا، عبر عن إعجابه بنظرية المنهاج النبوي في التغيير، متسائلا عن ضرورة العمل على تطبيقها في الواقع، ومما ذكره أن “مشكلة العالم الإسلامي والمغرب -وهو معقل حضارتها- هي مشكلة التنسيق والتصميم والتطبيق” ، وعرج على بعد مظاهر النهوض والتحديات التي تواجه تركيا اليوم.

وعن وفد النساء من الجزائر ذكرت عتيقة حريشان أن روح الشيخ المجدد رحمه الله لا زالت ترفرف في هذا المجلس، كما أكدت أن عملية الإصلاح تتطلب حسما في إعطاء المرأة حقها، إذ أعطى للمرأة حيزا محترما، فهي جزء من المنهاج التجديدي، وقالت “تصفحت كتاب تنوير المؤمنات فوجدته مفيدا جدا، وأحسست لما وجدت الكتاب أنني وجدت ضالتي” ، كما أبدت سعادتها بشكل كبير من تضييف نساء جماعة العدل والإحسان.

الناشطة الحقوقية السعدية الولوس – الفدرالية المغربية لحقوق الإنسان

المناضلة والفاعلة المدنية السعدية بولوس ألقت مداخلتها باللغة الفرنسة وتصورت من خلالها حضور الإمام عبد السلام ياسين بيننا، وحاولت أن تقدم جوابا يحاكي جوابه على سؤال أحد السائلين عما يجب فعله في مثل هذه الظروف الحرجة. وكانت كلمتها مؤثرة كعادتها.

الدكتور عبد الصمد بلكبير

وبدوره ذكر الأكاديمي الدكتور عبد الصمد بلكبير بمناقب الإمام من خلال زياراته له ومن خلال نضاله وجهاده المستمر وعلى جميع الواجهات. وشدد على أن من أهم المناقب “التي ميزت عبد السلام ياسين الجمع بين النظري والعملي” .

الأستاذ عبد الصادق السعيدي – الفدرالية الديمقراطية للشغل

ومن جهته أشار الأستاذ عبد الصادق السعيدي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى اعتزازه بوجود أبناء الإمام أعضاء العدل والإحسان في العمل النقابي. وشدد بدوره على فضيلة الحوار وحسن تدبير الاختلاف.

الأستاذ فتح الله أرسلان

وفي ختام الحفل تفضل الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، وتحدث قائلا “هذا البيت عاش فيه الإمام وألف أغلب كتبه، في هذا البيت ربى المرشد، في هذا البيت حوصر الأستاذ حوصر جسمه، في هذا البيت عقدت لقاءات متعدة حتى مع السلطة، في هذا البيت عاشت العدل والإحسان، العدل بلقاءاتها التنظيمية وعاش الإحسان في هذا البيت في الرباطات لمراجعة علاقتهم بالله” ، مجددا الترحاب بالحضور. وأضاف “تعلمنا الحوار من هذا الرجل، هذا الرجل قدم كل ما يملك المال والجاه والصحة، ما ترك طائفة إلا وخاطبها، ولذلك إذا بحثت عن عبد السلام ياسين السياسي تجده كذلك، إذا تحدثت عن عبد السلام ياسين المربي بالمعنى التربوي التعليمي تجده، وإذا تحدثت عنه كمفكر تجده كذلك، إذا تحدثت عن الرجا المحسن فإنك تجد رجلا عاش الإحسان وكان متميزا في ذلك، هذا الرجا متعدد الأبعاد” .

واختتم الحفل كما ابتدأ بآيات بينات من أواخر سورة البقرة، ودعاء الختم من طرف الأستاذ محمد بارشي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان.