حطيئة زماننا، المغدور من تلقاء نفسه

محطة24

مرة أخرى، ينبعث الحطيئة بيننا ليلهو في مشهدنا السياسي، ينفث سمومه في كل الاتجاهات، يهجو الجميع، ويهدم بيته على من فيه.
حطيئة الزمن الغابر، كما هو معلوم، احترف هجاء الناس دون استثناء، لم يترك أحدا أطلق عليه لسانه السليط. لم يسلم منه حتى أقرب المقربين، بمن فيهم أمه وأباه. لعل التكوين النفسي المبعثر والإحباط الداخلي وفقدان الثقة في الذات كانت عوامل حاسمة في الإصرار على فعل المهاجمة المطلق. في اللحظة التي لم يجد أمامه شخصا يتوجه إليه، هجا نفسه:
“أبت شفتاي اليوم إلا تكلما .. بشر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه .. فقبح من وجه وقبح حامله”.
حطيئة زماننا ينحو المنحى ذاته. ينزوي في ركن بيته طيلة أيام الأسبوع وقد انفض من حوله قومه، مسترجعا شريط الخيبات والانكسارات الشخصية. ويخرج، نهاية الأسبوع، للعلن كي يلبس قناع الضحية، ويتهجم على من يتوهم أنهم أعداؤه. وبعقلية الحطيئة واهتزازاته النفسية المضطربة، يرى في تخيلاته أن الأعداء في كل مكان، في الدولة وفي المجتمع، في المشهد السياسي ووسط الحزب، بين الأتباع وضمن المقربين.
حطيئة زماننا يعيش تحت سيطرة رهيبة لمن سماه “بوعو” الذي يخيفه، عقدة نفسية تراكمت ترسباتها منذ شبابه أيام توهج الشبيبة الاتحادية، وإلى غاية خرفه السياسي المتزامن مع انبعاث الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
حطيئة زماننا يتذرع في كبواته المتواليات بالغدر والخيانة، وهو الخائن لنفسه بسلوكه السياسي المتهور نتيجة فقدانه للحس التفاوضي القائم على منطق التوافقات والتدبير العقلاني للاختلافات. سلوك سياسي عدواني تطغى عليه عقيلة الداعية الذي يرى في نفسه، وإن كانت مختلة، منبعا وحيدا للحقيقة، وما على الأتباع إلا التصديق الأعمى.
حطيئة زماننا ترتسم نهايته السياسية على خطى نهاية الحطيئة الأصل. وفي التاريخ عبر لمن يعتبر. فادعاء الخيانة والغدر يحجب استيعاب الواقع كما هو، شعور يؤجج الصراع النفسي الداخلي، وهلوسة تجعل المرء مستسلما للتذكر المزمن وإعادة أحداث الحياة متشككا في المواقف والقرارات.
إنها رقصة الديك المذبوح.
تجليات الغصة النفسية نتيجة الفشل في تشكيل حكومة يفتقد المكلف بها لأبسط القواعد لإنجاح التفاوض بشأنها.
وأكبر من ذلك، وأقسى، العجز عن صيانة وحدة البيت الحزبي، خسران الدائرة المقربة، والخسارة الانتخابية المذلة التي يتحمل قسطا وافرا من مسؤوليتها.
بقيت كلمة واحدة أعلم أنها ترعب حطيئة زماننا، لكن لا بأس من التذكير بها: إدريس لشكر مفاوض من العيار الثقيل، مناضل متمرس في الدفاع على الحقوق والحريات، مسؤول سياسي مؤمن بالمصالحات والتوافقات، زعيم أعاد لتنظيمه الحزبي توهجه السياسي رغم الطعنات.
وأخيرا، إدريس لشكر تتوفر فيه الصفة التي لم يستطع حطيئة زماننا إدراك جوهرها: رجل الدولة.